عقولنا .. بين سجن الماضي وحلم المستقبل
أخر الأخبار
عقولنا .. بين سجن الماضي وحلم المستقبل
07-09-2025 06:24 PMJNCTV
أ.د. علي حياصاتأكتب هذا المقال وأنا مدرك أنني أسير في منطقة وعرة، حيث يتشابك الاستبداد السياسي مع الخطاب الديني المغلق ومع ثقافة تواطأت طويلًا لتشكّل مثلثًا خانقًا يُطبق على صدر الإنسان العربي. هذا المثلث لم يقدّس الماضي حبًا بالموروث التاريخي ، بل حوّله إلى وسيلة تسويغٍ للاستبداد، وإلى صنمٍ يُستدعى عند الحاجة لترويض الشعوب.
منذ اللحظة التي تحوّلت فيها الخلافة إلى مُلك على يد معاوية بن أبي سفيان، رُسمت ملامح هذا التحالف الخطير بين السياسة والدين والثقافة. لم يكن السيف وحده أداة الحكم، بل الذهب والولاءات أيضًا. معاوية أدرك مبكرًا أن شراء الشعراء بالعطايا، وإغراء رجال الدين بالمطايا، وتحويل الطاعة له إلى ما يشبه طاعة لله ورسوله، أهم من أي جيش أو سيف. ومنذ ذلك الحين ظل المشهد يعيد نفسه بصيغ مختلفة: السلطة تشتري الولاء، الدين يبرّر الاستبداد، والمثقفون يجمّلون القبح.
واليوم، رغم كل ما نرفعه من شعارات عن التقدم والحداثة، ما زلنا أسرى اللعبة نفسها. السياسي العربي يتحدث عن حماية الهوية، لكنه في الحقيقة يحمي سلطته. رجل الدين يرفع النصوص بلا سياق، ويمنع الناس من السؤال باسم الخوف من الفتنة. والمثقف، الذي يفترض أن يكون ضمير المجتمع، تحوّل في كثير من الأحيان إلى صدى للسلطة، يكتب ما يرضي الحاكم، ويصنع أوهامًا جديدة بدل أن يكسر القديمة.
أما المواطن العادي، فهو الحلقة الأضعف في هذه المعادلة. يعيش يوميًا ازدواجية قاسية, في العلن يصفّق ويؤيد، وفي داخله يرفض ويختنق. يواجه الفقر والبطالة وانسداد الأفق، ثم يُطلب منه أن يهتف للأمة وكأن الجوع والذل يمكن تغطيتهما بخطاب حماسي أو شعار ديني. هكذا تحوّل المجتمع إلى فضاء للنفاق الجمعي.
النهضة التي ننتظرها لن تأتي من الخطب الرنانة ولا من استدعاء أمجاد الماضي، بل من تحطيم هذا المثلث الذي يخنقنا. نحن بحاجة إلى جرأة تعيد قراءة التاريخ بوعي نقدي، تكشف زيف الروايات التي صاغتها السلطة السياسية على مدى قرون، وتفرّق بين ما يلهم المستقبل وما يعيقه. نحن بحاجة إلى شجاعة تواجه الاستبداد السياسي، وتضع العدالة والحرية أساسًا للشرعية بدل الطاعة العمياء. نحن بحاجة إلى تحرير الدين من رجال الدين الذين صادره، ليعود صوتًا للرحمة والكرامة لا أداة للخوف والتقييد.
لقد طال زمن الانتظار. التغيير لم يعد ترفًا فكريًا، بل شرطًا للبقاء. إذا استسلمنا لدوامة الماضي فلن نخرج منها أبدًا, فساد يتجدد، استبداد يتوارث، وخطاب ثقافي وديني يعيد إنتاج الوهم. أما إذا واجهنا الحقيقة بشجاعة، فسنكتشف أن لا خلاص يأتي من الخارج، ولا مخلّص يهبط من الماضي، بل من وعينا وإرادتنا وجرأتنا على أن نقول كفى.
الخلاص الحقيقي يبدأ حين يقرر الإنسان العربي أن يعيش حرًا، لا تابعًا ولا عبدًا. حين يكتب تاريخه بوعيه الجديد، ويؤمن أن المستقبل ليس قدرًا مكتوبًا، بل أفقًا يُنتزع بالعمل والشجاعة والإرادة.
تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع JNCTV بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع JNCTV علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
ويحتفظ موقع JNCTV بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع JNCTV علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : | |
تواصل معنا
- الاكثر مشاهدة
- الاكثر تعليقا
- رياضة
- عربي ودولي
- مناسبات
تصويت
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج
تعليقات القراء